والدليل التاسع: هو أنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) ثلاثاً؛ لأن ما صلاه ليس في الحقيقة صلاة مشروعة، فقال الأعرابي بعد الثالثة: (والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني) فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة المجزئة ولم يأمره بإعادة ما كان قد صلى قبل ذلك، وربما مضت سنون من الدهر على هذا الأعرابي وهو على تلك الحالة؛ فلقوله: (والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا) لم يأمره؛ لأن هذا قد فعل غاية علمه وقدر استطاعته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (وإنما أمره أن يعيد تلك الصلاة لأن وقتها باق، فهو مخاطب بها)، فهذه الصلاة بعينها قد بلغه فيها الخطاب، ومن بلغه الخطاب وجب عليه الامتثال، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره بإعادة تلك الصلاة؛ لأنها كانت ما تزال في وقتها، فهو مخاطب بها، لكن الصلاة التي قبلها إلى أول صلاة صلاها لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة شيء منها، أما إذا كان الوقت باقياً وتلك الصلاة التي صلاها لا تبرأ بها الذمة؛ فإنها تبقى في ذمته ولو لم يبق من الوقت إلا مقدار ما يؤديها فيه أو يؤدي ركعة منها.